عام

إيمان … شك … إيمان

حقيقة ترددت كثيرا في الكتابة عن هذا الموضوع، لأسباب كثيرة منها – لا الحصر – أن مئات بل الآلاف سبقوني في الكتابة عن هذا الموضوع وتناولوه من كل الجوانب، ثانيا أن هذا الموضوع يحتاج لكتب طويلة فجوانبه كثيرة ويصعب حصرها في مقالات بسيطة، ثالثا هذا الموضوع معقد لدى البعض وله تبعيات جذرية، لدرجة أن البعض غير حياته كليا بعد البحث فيه.

في كل الأحوال لا مانع من الكتابة فيه، ولكن سأقوم بفصله في أجزاء لكي تسهل على القارئ الصورة

الأجزاء بشكل مبدئي

0- الإيمان والشك واللادين

1- نظرة عامة عن الإيمان ونظرية التطور.

2- المدخل الفيزيائي

3- المدخل الحيوي

4- المدخل الفلسفي

 

سأحاول قدر المستطاع أن أجعلها مقالات صغيرة مركزة.

حسنا ندخل صلب الموضوع، موضوع الالحاد نسمع فيه من فترة إلى فترة، ونسمع أن صديقا مقربا فجأة ترك الدين شيئا فشيئا إلى أن اتجه إلى اللادينية شيئا فشيئا، ولربما الإلحاد في النهاية.

لدي تعقيبين في هذا المقال عما حدث لهم، وهما:

أ- لا ألومهم

ب- خطوة في الاتجاه الصحيح

لا تخرج أكمل ولا تستهجن ، نناقش كل واحدة منهما.

أ- لا ألومهم

جلست مع دكتوري لعلم الأحياء الدقيقة Microbiology في كلية الصيدلة بالمصادفة قبل عام، وهو حاصل على دكتوراة في علم الهندسة الوراثية ودردشت معه إلى أن وصلنا لموضوع العلم والدين، فقال لي حتى القرآن يناقض العلم، فاستغربت هذا أشد الاستغراب ثم استجمعت أجزاء تفكيري وقلت له لماذا هذا بكل هدوء، فقال لي لأنه يحتوي على أخطاء كثيرة، قلت له هات بعضها – بكل ثقة كما كل المؤمنين – فأخبرني أن القرآن يقول أن الأرض مسطحة، وهذه الأرض هي مركز الكون والشمس تدور حولها، والأرض ثابتة ولا تتحرك، والقمر يقول عنه القرآن هكذا، وكذلك يقول عن الجبال … إلخ، فقلت له أين يقول القرآن هذا، فأخبرني في آية كذا وكذا وكذا، فقلت له، وكيف فهمت أن هذه الآية تعنى ما قلته لي، قال لي أنا قرأت تفاسير أغلب علماء المسلمين، وجميعهم يقول هذا، حتى المعاصرين منهم، فسكت لأني – للأسف – قرأت نفس تفاسيرهم وكانت تفاسيرهم صادمة.

قلت له تفسيرهم ليس صحيح، ولنا لقاء آخر نتناقش، دعنا نتحدث عن آخر إنجازاتك العلمية.

حسنا هذا الدكتور أو هذا المثقف أو هذا العالم، يرى ناسا ويرى الأدلة العلمية والمصورة والإنجازات العلمية، وإكتشاف ناسا لسبعة كواكب تبعد عنا 40 سنة ضوئية تشابه الكرة الأرضية، ويرى الدليل بعينه، ثم يأتي شخص يقول له أن القرآن يقول أن الأرض مركز الكون والقرآن والعلماء يقولون هذا، ويجلب الآية له – لا أريد ذكر أي آية هنا – ويناقشه ويقول له قال العلامة كذا وكذا.

الآن هذا الشخص أمامه 3 خيارات في حالته وهي:

1- أن يقول أن التفسير خطأ ، لا محالة.

2- أن يقول أن القرآن غير صحيح بالكامل وبه خطأ أو أخطاء، وهذا يعني أنه ليس كلام الله، لأن حرف واحد خطأ يعني بطلان الصواب المطلق.

3- أن يقول أن عقلي لا أريد أن أشغله حتى لا أدخل النار وسأصدق كلام المفسرين مباشرة، وسأوقف عمل عقلي وتفكيري، وتبا لكل العلوم.

 

نناقش كل واحدة منها، أنا وأنت نقول بالخيار الأول مباشرة، هذا خطأ تفسيري، لكن ليس كل الناس تفكر نفس التفكير، ولربما البعض قالها أول مرة، وثاني مرة وثالث مرة، ثم تكرر نفس الموقف مرارا وتكرار، وتكرر ونفس التفسير الخطأ – وبالمناسبة التفاسير الخطأ التي تتعارض مع العلم والعقل كثيرة – فما كان منه إلا أن تخلى عن هذا الخيار.

 

الخيار الثاني ما يقوله الكثير من المتعلمين أو المثقفين والقارئين النهمين، وهو للأسف مرة أخرى أحد أسبابه تفاسير القرآن الخطأ من قبل عالم لا يعلم شيء عن الفيزياء والكيمياء والفضاء وغيره، فقط يعرف في علم أو علمين كحد أقصى، وبالكاد نجح في الثانوية.

أكيد هنالك أسباب أخرى لا أحبذ ذكرها هنا، لكن التفسير الخطأ هو سبب كل المشاكل، لأنك به تكون نسفت القرآن، وبالتالي نسفت أساس الدين، فلم يبقى حجر في البنيان، أرجو النظر لهذا الفيديو للأسف.

 

الخيار الثالث المطروح أمامه هو التغاضي.

لدي في كفة حقيقة علمية واضحة أمامي، ألمسها وأراها، ولدي في كفة أخرى آية قرآنية بتفاسير واحدة، فأنا أرجح في هذه الحالة عدم التفكير وأغيب عقلي وما أراه وأقول ترجح كفة الدين، وتبا للعقل، وهذا يقودنا إلى المهلكة، حيث كان عليك عمل عكس هذا، يجب عليك إعمال عقلك وهو ما أناقشه في النقطة ب

ب- خطوة في الاتجاه الصحيح

حينما تعمل عكس الخطوة الثالثة وترجح كفة عقلك على كفة التفسير وتقول أنا أكفر بهذا، فأنت اهتديت والحمد لله، حسنا لا تستغرب، أنت سرت في أولى خطوات التوحيد.

كل الأديان السماوية تقول بالتوحيد – نعم كل الأديان السماوية – وكلها مبنية على جملة

” لا إله إلا الله ”

لنقسم الجملة

الجملة تقول

لا إله

ثم

إلا الله

تبدأ جملة التوحيد بكفر

نعم تبدأ بكفر

الكفر بكل الآلهة الموجودة في الوجود

ثم التسليم أنه يوجد فقط إله واحد هو الله

الكفر بالآلهة التي تقول لك لا تفكر، سلم بالمجهول، عقلك هذا الذي خلقه الله لكي يفكر، وكرمك به وجعلك خليفته في الأرض، لا يجب عليه التفكير، بل يجب عليه أن يتعطل، وأن تركنه جانبا، وعليه التسليم مباشرة بما يقوله الإله الآخر، والإله الآخر له أشكال متعددة لا تنتهي، بعض أشكالها قد يكون الشيخ المفسر، إمام المسجد، رئيس القبيلة، أمك أو أبيك، صديقك أو أخيك، العادات والتقاليد …. إلخ.

هذه الآلهة تقول له سلم بما أقول، ولا تشغل عقلك، حسنا ما الدليل على كلامي

أعطوني آية واحدة تقول لك لا تشغل عقلك ؟

فكر وابحث وتذكر ؟

وصدقني لن تجد

لأن كل آيات القرآن تقول لك فكر، كل أيات التوبيخ تتكلم عن أن الكفار لا يفكرون، كل الذم لهم لأنهم لا يعملون عقولهم.

{ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون } [ البقرة 164]

{ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ } (42) يونس

{ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (4) الرعد

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (12) النحل

{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (67) النحل

{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (35) العنكبوت

{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (24) الروم

{ أَفَلَا يَعْقِلُونَ } (68) يس

هذه الآية مدهشة

{ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (5) الجاثية

تتكلم عن أن اختلاف الليل والنهار – في زماننا اكتشافات ناسا والفضاء والفلك – والسماء والأرض والرياح آيات من الله يجب عليك أن تتفكر بها لكي تعقل، يجب أن تبحث فيها بعمق لكي تعقل هذا الإله الذي خلقها، وأدعك للبحث في جوجل عن هذه الآية لترى ما هي الآية التي قبلها، ما هي الآية المعجزة التي تدل على وجود الله أيضا، أين يجب أن تعمل عقلك قبل أن تعمله في علوم الفضاء والكون Cosmology.

انظر من هم شر الدواب عند الله

{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ } (22) الانفال

هم الصم البكم، الذين يغيبون عقلهم والمنطق والحكمة والحقائق، يغلقون آذانهم ويعمون أبصارهم عن الحقائق ويسلمون بدون تفكير.

حسنا أشعر أن المقال صار أشبه بخطبة الجمعة، لنعود لنتابع، لنرى أن من أعمل عقله قد بدأ أولى خطوات التوحيد، أولى الخطوات التي يطلبها الله منا، يريدك الله أن تعمل عقلك ، تتفكر، تتأمل، تشطح، تحلل، تكتشف، تتحقق، أي شيء يشغل عقلك هو الصواب عند الله.

لو كان الله يريد عباد له لا يفكرون لخلق الناس كلهم مؤمنين، لكن الله يريد لهذا العقل أن يهتدي بنفسه، نقطة هنا أخرى يجب أن أقولها، طالما الله يريد لهذا العقل أن يفكر ويتوصل إلى الله بنفسه، فلا يجب عليك أن تغصب عقل أحد على الإيمان – والآيات بهذا أيضا كثيرة – حتى وإن مال للخطأ عليك بالنقاش والنقاش فقط، التخويف بالنار، أو بالعقاب أو بالأذى سواء في الدنيا أو الآخرة لا يرضي هذا الإله، كيف لا وهو قد أعطى هذا المخلوق حرية التفكير للوصول إليه وأنت تريده أن ينافق خوفا أو إرضاء لك وهو في قرارته غير مقتنع، تريده أن يعبد هذا الملك خوفا لا محبة.

أعلم أني استطردت كثيرا هنا، ولكن مهم هذا لكي ننظر لمن أعمل عقله نظرة صحيحة ونشجعه ونحيه، ونعتقد أنه خطى أول خطوات الإيمان، علينا أن نسير معه في رحلته، لا أن ننبذه، هو قبل سبقك يا صديقي.

أنا أؤمن أيضا أن من فكر وفكر وأعمل عقله كل الإعمال ولم يتكبر أو يجحد بالحقائق، وقد توفي على حالته في رحلته سيرحمه الله، حينما يقف أمام الله، سيقول لله، لقد أعملت عقلي يا رب وشغلته ليل نهار لكي أصل إلى الحقيقة، هذا عقلي الذي منحتني إياه توصل إلى هذه الفكرة صدقا ولم أجحد بأي فكرة مثلت أمامي وقلبتها بهذا العقل الذي منحتني إياه، وهذا أقصى ما توصلت إليه.

الشك بداية اليقين

أغلب العرب ولدوا مسلمين فهم يسلمون بوجود هذا الإله، لكن الإيمان الحقيقي بالله يتخلله هذه الرحلة، رحلة الشك الذي ينتهي بالإيمان، ونحن أولى بهذا الشك من إبراهيم 🙂 .

هذا الإله العظيم يريد عباد حقيقيين، يقدرونه ويعلمون قدره وقدرته وعظمته، لا عبيد مغلوبين على أمرهم، يسيرون مكبلين بالأفكار الخطأ، والله حاشاه أن يكون مثل ملك ظالم يحب أن يرى العبيد حوله يتقربون إليه خوفا من سوطه، لا محبة في رحمته وإندهاشا بعظمته.

خطوة الإيمان الحقيقي تبدأ بالتجريد من كل شيء، التفكير في هذا الكون، والسير في هذه الرحلة: هل هذا الكون أتى بالصدفة، أم هنالك كما يقول البعض هنالك من أوجده.

لنفكر ونحلل، ونستكشف، ونتحقق ونتأكد، ثم إذا توصلنا إلى استحالة أن يكون قد أتى بالصدفة، فيجب البحث عن هذه القوة العظيمة التي صممته وبنته. لنرى هل هنالك قوة عظيمة أعلنت عن نفسها، سنرى أن هنالك قوة اسمها الله، وقد أعلنت عن نفسها عن طريق شيء اسمه الأنبياء، نبحث عنهم ونفهم المطلوب منا وماذا تريده هذه القوة العظمى، حتى نحقق الهدف الأساسي لها من تصميم وبناء هذا الكون.

لا أطيل لعلك تجد ما وجدت ستجد أن الهدف الأساسي لوجودك هو إعمار الأرض، وهذا الإعمار لا يتم إلا عبر المنحة الكبرى، الشيء الأعظم الذي صممه وبناء هذا الصانع المتقن، الشيء الأسمى في الوجود الدال عليه، الشيء هذا يا سادة هو العقل

فأرجوك استخدمه !.

About the author

خليل سليم

Leave a Comment

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.