حسنا، وكما تقول الأسطورة فإن الإنسان كان قد تطور من قرد، لا بل أقصد أن الإنسان والقرد قد تطورا من سلف مشترك، والدليل الجيني أن الإنسان يشترك مع الشيمبانزي بما يقارب ال 84 % من جيناته، والدليل الإضافي أن الإنسان والقرد لديهم نفس الخلل الجيني الذي يمنعهم من إنتاج فيتامين سي في الخلايا، ولدينا نفس جينات الكسوة التي لدى القرود إلا أنا تبعتنا حدث لها عيب ما لاحقا، وهذا ما لا يدع مجال للشك وبشكل علمي ومنهجي.
ولطالما كانت العلوم تصلح نفسها بنفسها فإن العلماء العظماء يقولون أنه لدينا دراسات جديدة الآن أقوى من السابق، وهي تعطينا مؤشر أفضل، فدراسات أحدث تشير إلى أن الإنسان يشترك مع الفأر بنسبة 90% من جيناته، والدراسات الأحدث تشير إلى أن أننا نشترك مع الكلب بما نسبته 95% من جيناتنا، وأن الإنسان فعلا أصله كلب.
حسنا، دعونا نعود للعام 1944 وخصوصا الشتاء القارص في أوروبا، حيث كانت ألمانيا تحتل هولندا، وتفرض عليها حصاراً شديداً في ذلك تلك الأيام، مما اضطر الناس إلى تقليل الطعام والاقتصاد فيه لأعلى المستويات وصولا لمرحلة المجاعة في مناطق كثيرة، ثلث كميات الطعام كانت تستهلك، وحوالي 20 ألف شخص ماتوا خلال عام، وقد اضطر الناس إلى أكل العشب ونباتات التوليب، بالإضافة إلى حرق الأثاث لكي يحصلوا على بعض التدفئة، وعرفت هذه الفترة باسم شتاء الجوع الهولندي أو شتاء الجوع أو المجاعة الهولندية Dutch famine.
جميعنا نعلم أن الجوع ونقص التغذية يؤثر سلبا على صحة الإنسان، ولكن ماذا عن التأثير على صحة أبناء هؤلاء الجوعى، وأبناء أبناءهم، أي كل سلالتهم من بعدهم ؟
نتيجة للسجلات الصحية الجيدة في هولندا، تمكن العلماء من ملاحظة هذه السلسلة من التجارب الحية للمواليد وأوزانهم وصحتهم بعد عقود من إنتهاء الحرب العالمية الثانية، وإنتهاءً بنتائج مذهلة وغريبة.
ما وجده العلماء هو أن الأطفال الذين كانوا في أشهرهم الأولى في الحمل من هذه الفترة المليئة بالجوع كانت ولادتهم بأوزان طبيعية، لكنهم عانوا من سمنة في سنوات حياتهم اللاحقة !
حسنا الموضوع محير للجميع قليلا، فنحن نعتقد أن خصائصنا الكاملة من مظهر وسلوك ومعتقد مكتوبة حرفا حرفا في الجينات، وهي المسؤولة عن سير حياتنا وتصرفاتنا، نحن نورثها من آبائنا، فبالتالي تنتقل إلينا صفاتهم في حياتنا. ولكن للأسف هذا غير صحيح، هذا ما يقوله علم Epigenetics أو علم فوق الجينات، وهو علم موثق ويميل له العلماء في الفترة الحالية لما له من أدلة واضحة في مواضيع الصحة مثل السرطان ( ونموذج دواء Temozolomide ) والخصوبة والأبناء، بل وحتى تطور الدماغ وتطور أمراض مثل الانفصام ثنائي القطبية.
الجينات هي مكونات الطبخة نجدها موضوعة على الطاولة، ولكن الEpigenetics هي الطاهي، هي من تختار ما يجب أن يكون داخل الطبخة، حسب الظروف المحيطة.
كيف تعمل Epigenetics
ما يقوله العلم باختصار، هو أن العوامل الخارجية المحيطة بنا هي التي تؤثر على آلية عمل الجينات وطريقة تفعيلها أو تعطيلها، هذه العوامل لا تؤثر على تسلسل النيوكليتيدات، ولكنها تؤثر على تمثيل الجينات Gene expression دون التعديل في ال DNA ! أمثلة العلم هذا وحقيقته في كل مكان، مثلا في نمو الكائن الحي وانقسام الخلايا الجذعية، الأمراض النادرة، تغيير لون الفئران بناء على طعامهم ! ، حتى في التوائم البشرية هذا الأمر واضح، حيث السكن والمأكل المختلف يتغير كل شيء فيهم بالكامل، فلا يصبحوا توائم، حتى المشاعر المنتقلة تعتمد على هذا المفهوم، بل طوال الفترة الماضية فشل العلماء في ربط الصفات الإنسانية بالجينات.
حسنا نحن نعلم أن الجسم مكون من بروتينات، والبروتينات مسؤولة عن عمل الجسم وهي من تنسخ الDNA وكودها مكتوب في DNA حيث نحصل عليها من آبائنا
الخلايا كلها في الكائن الحي لها نفس الDNA، ولكنها عبر Epigenetics تنقسم إلى خلايا عصبية، خلايا دم، خلايا عضلية وغيرها، وذلك عبر تقنيتين معروفتين في هذا العلم وهما the addition of methyl groups or modifications to histone proteins
وهاتين التقنتين لهما دور عميق على تمثيل الجينات، وبالتالي شكل الخلايا
على سبيل المثال، الفئران التي حصل لها مثيلة (methylation ) في جينات النوع الأغوطي ( نوع من القوارض ) سمينة ولها لون أصفر، وعلى الوجه الآخر النوع الذي يم يحدث له مثيلة لونه بني وغير سمين مع العلم أنها لها نفس ال DNA عند الفحص.
methylation at the agouti gene
العوامل المؤثرة
العديد من العوامل قد تؤثر في آلية عمل الجينوم وخلال فترات مختلفة من حياة الكائن، وعلى الرغم من وجود عوامل كثيرة ما زالت مجهولة إلا أن هنالك شواهد واضحة على دور تأثيرات البيئة، الضغط النفسي، الشيخوخة كعوامل سلبية على عمل الفوق جينات، ودور واضح لعوامل أخرى ذات طابع ايجابي مثل الرياضة والأكل الصحي
بفضل الله انتهيت من هذا العمل الذي استغرقني شهرين كاملين، من قراءة ومراجعة وتفنيد وكتابة وتوثيق،
حيث قرأت كتاب كيف بدأ الخلق للدكتور عمرو شريف، أستاذ الجراحة العامة، هو كتاب مميز يتكلم عن نظرية التطور من عدة جوانب، ويستعرض في الكتاب فكرته ونظرته للتطور الموجه، كما هو واضح في جوانب الكتاب المتعددة.
التطور الموجه: هو باختصار أن الله قد الكائنات في صور أبسط من الصور الحالية، ثم أمرها بالتطور لاحقا، ووضع لمساته أثناء هذه الخطوات، مثلا كان الإنسان قردا، فترقى ، وكانت بقية الحيوانات كذلك، ثم ترقت، وهكذا.